"كنتُ طفلةً صغيرةً حين فقدتُ أبي وأمي وشقيقي الرضيع في سجن نقرة السلمان.. كُنّا نأكل الفضلات، ندفن الأطفال بأيدينا قرب الأسوار، ونتعرَّض يوميًا للاغتصاب والإهانة."
بهذه الكلمات المروّعة تروي الناجية فضيلة حسين، من ذوي شهداء سجن نقرة السلمان، تفاصيل مأساةٍ عاشتْها مع آلاف المعتقلين الكرد في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، قبل أنْ تخرج بقرار عفوٍ عامٍّ سنة (1990).
فضيلة، التي كانتْ أوّل من أقام دعوى قضائيَّةً ضدَّ الضابط السابق عجاج أحمد حردان العبيدي المكنّى بـ(الحجاج)، تُؤكّد في حديثها لـ"الصباح" أنَّ العدالة حقٌّ للضحايا، وأنَّ دور الناجين يجب ألّا يُستبعد من أيِّ محاكمة. وهي لم تنسَ الجلّادين الذين أشرفوا على أبشع أنواع التعذيب والتجويع، والذين ما زال بعضهم اليوم مجهول المصير أو فارًا خارج البلاد.
من شهادتها المؤلمة ينتقل المشهد إلى الحاضر؛ إذ أعلن جهاز الأمن الوطنيّ في أيار الماضي عن إلقاء القبض على المتّهم عجاج أحمد حردان، بعد أنْ ظلَّ متخفيًا عن الأنظار (37) عامًا، متستّرًا خلف إعلان عائلته عن وفاته لتضليل العدالة.
وفي تصريحٍ تابعته لـ"النخيل"، أكّد رئيس الجهاز عبد الكريم عبد فاضل (أبو علي البصري) أنَّ عمليَّة القبض جاءتْ بعد تحقيقاتٍ موسَّعةٍ واعترافات كبار الضبّاط السابقين، التي كشفتْ عن أنَّ عجاج كان اليد الطولى للنظام البعثيِّ المباد في تنفيذ جرائم التهجير القسريِّ والاعتقالات الجماعيَّة والإبادة.
في اعترافاته كذلك، لم يُنكر المتهم مسؤوليته عن الجرائم، بل أقرَّ بأنّه قاد منهجيَّة التجويع والاغتصاب اليوميِّ بحقِّ المعتقلين كأداةٍ للقتل الجماعيِّ.
عند تسلّمه إدارة سجن نقرة السلمان عام (1989)، أُفرغ السجن من نحو (400) معتقلٍ عربيّ، ونُقل بدلًا عنهم نحو (3) آلاف معتقلٍ كرديٍّ من السليمانيَّة وأربيل.
وقال عجاج في اعترافه: "استخدمنا التجويع سلاح حرب، لا يقلّ فتكًا عن القصف العسكريِّ.. لقد مات ثلثا المعتقلين خلال عشرة أشهرٍ فقط."
وُلد المتّهم عجاج أحمد حردان العبيدي، في محافظة صلاح الدين، وتخرّج في كليَّة الأمن القوميِّ- الدورة السابعة. شغل مناصب مختلفةً في مديريات الأمن (أربيل، الرميثة، النجمي، بصية، المثنى)، حتى أصبح المشرف العامَّ على سجن نقرة السلمان.
عُرف بدمويته بين المعتقلين الذين أطلقوا عليه لقب "الحجّاج" دلالةً على قسوته.